قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ»

الثلاثاء، 10 يناير 2012

هل هنالك إله؟


كتبه: مالكولم دنكان وينسر، الابن - طبيب باطني
حاصل على درجة البكالوريوس في علم الحيوان من كلية هويتن - ودكتوراه في الطب من جامعة نورث وسترن.
من الممكن ان تصاغ المشكلة التي تدور حول صحة الدين وسلامته صياغة عملية في السؤال الآتي: هل هنالك إله؟ وهل يهتم بالإنسان اهتماما شخصيا؟ انني أعتبر هذا السؤال على درجة كبيرة من الأهمية.
وبرغم ان هنالك كثيرا من المسوغات الفلسفية لوجود إله لهذا الكون واتصافه بصفات خاصة، فان هنالك طريقتين أساسيتين من الوجهة العلمية لاثبات وجود إله. اما إحداهما فتقوم على استخدام العلوم الطبيعية، واما الاخرى فتعتمد على المراجع التاريخية.
اما عن الطريقة الاولى، فان الارض والسماوات بسائر تعقيداتهما، والحياة في شتى صورها، وأخيرا الإنسان بكل قدراته العليا، كل هذا أشد تعقيدا من أن يتصور الإنسان انه حدث هكذا وحده أو بمحض المصادفة. فلابد اذن من عقل مسيطر، من إله خالق وراء كل ذلك، ولما كان الإنسان أسمى مما يحيط به من الكائنات المختلفة فلابد ان يكون قد حظي باهتمام خالقه، ولابد اذن ان يكون لهذا الخالق وجود ذاتي.
اما بالنسبة للطريقة الثانية، فليس أمامنا الا ان نلجأ للكتب المقدسة التي هي في الواقع مجموعات من الكتب والوثائق ظهرت في عصور مختلفة، يطلق على بعضها اسم (المخطوطات) دون ان يقترن هذا الاسم بصفة من الصفات، لكي يدل ذلك على انها تقف وحدها فوق مستوى سائر المخطوطات الأخرى، ويبلغ عدد المخطوطات بالذات ستا وستين. وقد كتبها عدد كبير من الكتاب في مدى اربعة عشر قرنا، ومع ذلك فهي جميعا تؤلف كتابا واحدا يدور حول محور واحد. وبرغم ان كتابة هذا الكتاب قد استغرقت 1400 سنة، واشترك فيه انتاجها كتاب عاشوا في بلدان متفرقة، ولم تتح الظروف لاي منهم ان يتعرف بالآخرين، فاننا نجد بينهم تجانسا في التفكير ووحدة واتفاقا في الغاية. ولقد حقق التاريخ ما جاءت به هذه الكتب إلى درجة عجيبة، مما يدل على صدقها، وها نحن اولاء نراها جميعا تؤكد من أول كلمة فيها إلى آخر سطر من سطورها، أن لخالق هذا الكون وجودا ذاتيا.
فاذا نظرنا إلى العقائد التي يأخذ بها الأنسان، والى الأسباب التي تجعله يعتقد في صحتها، فاننا نجد ان كل ذلك يتحدد إلى درجة كبيرة بعاملين هما: ذكاء الإنسان والبيئة التي تحيط به وتؤثر عليه، ويمكننا ان نقسم هذه المعتقدات إلى قسمين: واقعية ونظرية. وللتأكد من صحة المعتقدات الواقعية لابد ان يكون الإنسان قد وصل اليها باستخدام الأسلوب العلمي في التفكير. ومن الواضح ان تحقيق هذه الشرط بالنسبة لجميع المعتقدات الواقعية التي يأخذ بها الإنسان في حياته يعد أمرا مستحيلا، ويرجع ذلك إلى كثرة هذه المعتقدات وتعقدها، ومع ذلك فان الانسان يتقبلها ويسلم بصحتها لسببين: أولهما: ان المجتمع الذي يعيش فيه والكتب التي يقرؤها تقر هذه الافكار وتقبلها، وثانيهما: انه يجدها صحيحة عند استخدامها أو تطبيقها في حياته اليومية.
اما عن المعتقدات النظرية، فكثيرا ما تتجلى فائدتها للإنسان وتثبت صحتها وسلامتها عند ممارستها، ومع ذلك فانه لإسباب متعددة لا يمكن ان يسلم جميع الناس بصحتها، كما  انه لا يمكن استخدام الطريقة العلمية لاثبات صحتها بسبب عدم القدرة على جمع الحقائق اللازمة لاستخدام هذه الطريقة في حالة هذه المعتقدات.
وهكذا نرى ان الاعتقاد في وجود الله وجودا ذاتيا، يعد إلى حد بعيد من المعتقدات النظرية التي لا يمكن اختبارها على محك الاسلوب العلمي، ولذلك فان الناس ينقسمون فيما يتصل بهذا الامر إلى شيع، فنجد منهم المؤمن، ونجد منهم المنكر، كما نجد منهم الملحد.
وميدان الطب من الميادين التي تعني بدراسة الانسان وتحليله ومعرفة الأسباب التي تجعله يسلك سلوكا معينا، وقد يكون في ذكر بعض المبادئ الطبية ما يلقي به بعض الضوء على عقيدة الإنسان في الخالق، فمن المعروف مثلا ان جميع الأمراض التي تصيب الانسان اما ان تكون عضوية أو نفسية، ومن المعروف كذلك ان الحالة النفسية للمريض وموقفه العقلي من هذا المرض يحددان إلى درجة كبيرة مدى تأثره بالمرض، ثم ان من المعروف ان تتغير الحالة النفسية أو النظرة العقلية يعد من الأمور المتعذرة، فالشخص السليم في عقله ونفسه، يبقى كذلك طيلة حياته، اما الشخص القلق المضطرب فلا يكاد يصلحه العلاج الا اصلاحا سطحيا، ولا يكاد المعالج ينتهي من حل مشكلة من مشكلاته حتى تبرز له اخرى غيرها.
وها هو ذا المسيح عيسى عليه السلام يقول في نفس هذا المعنى: (درب الطفل على الطريق الذي تريده ان يسلكه، فلن يحيد عنه بعد ذلك) (1) . وقد ثبتت صحة هذا الرأي، اذ من الصعب حقا تغيير معتقدات الانسان أو طريقته في النظر للأمور. والفرد منا يتأثر في كل ذلك بطريقة تنشئته، بل انه كثيرا ما يكون ضحية لها.
وكثير من الأطفال الذين ينشأون على الاخذ بمعتقدات معينة يبقون متمسكين بها طيلة حياتهم، فاذا نشأوا في مجتمع في مجتمع ملحد صاروا ملحدين، واذا نشأوا في مجتمع ديني بقوا مؤمنين وهكذا..
وقبول الانسان لبعض المعتقدات بسبب نشأته وتربيته لا يعد في ذاته دليلا على صحة هذه المعتقدات وذلك برغم شعوره بانها لابد ان تكون صحيحة، فالواقع اننا نتقبل كثيرا من المعتقدات قبولا يقوم على التسليم، ثم نتحيز لها بطريقة أو بأخرى. وبرغم اننا نستطيع ان نتجرد من أهوائنا وعواطفنا عند حل كثير من المشكلات التي تواجهنا في حياتنا، فاننا نعجز عن ان نتجرد من هذه العواطف عندما نحاول الاجابة على من يسألنا بقوله: (هل لهذا الكون إله؟) . ويرجع ذلك لما لهذا السؤال من آثار عميقة في نفوسنا تمتد آثارها إلى أيام طفولتنا. ونحن لا نستطيع ان نفر من ذلك، بل لعله لا ينبغي لنا ان نفر. ولما كان لهذا السؤال اهمية كبيرة بالنسبة لوجودنا، فلابد ان نجد له جواباً.
وانا أعتقد شخصيا انه لا يمكن الإجابة على هذا السؤال الا بعد ان يخطو الانسان خطوة نحو الإيمان الروحي، وهو لا يمكن ان يقوم بهذه الخطوة الا بعد ان يصل (باستخدام عقله) إلى وجود إله وخالق لهذا الكون. وما ان يصل الانسان إلى ذلك حتى يثبت الله ايمانه به وينزل على قلبه السكينة. وقد يعد بعض الناس ذلك تحيزا مني أو تعصبا لفكرة من الأفكار، الا أنني اعتقد ان الإيمان بالله خبرة شخصية قبل كل شيء. ويستطيع الانسان ان يصل إلى فكرة وجود الله باستخدام عقله، وذكائه، ولكنه لا يستطيع ان يقيم البرهان على ذلك الا بالطرق غير المادية، فالايمان بالله هو أساس الاطمئنان إلى وجوده تعالى.
وقد عرف الإيمان في (الكتب المقدسة) بانه (القوة التي تعين على استجابة الدعاء، وتجعل الإنسان يطمئن إلى الغيب) . وقد عرف سير وليام اوزلر، وهو الطبيب الكندي المشهور، الايمان بانه (القوة الدافعة (2) الكبرى التي لا نستطيع ان نزنها في الميزان أو نختبرها في الجفنة) . ولا يمكن ان يتم الاعتقاد في وجود الله بدون هذا الإيمان.
_________
(1) - من أمثلة العرب في هذا الصدد: من شب على شيء شاب عليه.
(2) - من تعاريف القرآن للمؤمن من جاء في سورة الحجرات آية 15: (انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) .