كان يتخيَّر فى خِطابه، ويختارُ لأُمته أحسنَ الألفَاظ، وأجملها، وألطفها، وأبعَدها من ألفاظ أهلِ الجفاء والغِلظة والفُحش، فلم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً ولا صَخَّاباً ولا فَظَّاً.
وكان يكرهُ أن يُسْتَعْمَلَ اللفظُ الشريفُ المصونُ فى حقِّ مَنْ ليس كذلك، وأن يُسْتَعمل اللفظُ المَهينُ المكروه فى حقِّ مَن ليس مِن أهله.
فمِن الأول منعهُ أن يُقال للمنافق: "يا سيدنا" وقال: "فإنَّه إنْ يكُ سَيِّداً فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُم عَزَّ وَجَلَّ"، ومنعُه أن تُسمى شجرةُ العِنب كَرْماً، ومنعُه تسمية أبى جهل بأبى الحَكَم، وكذلك تغييره لاسم أبى الحكم من الصحابة: بأبى شريح، وقال: "إنَّ الله هو الحكم، وإليه الحكمُ".
ومِن ذلك نهيُه للمملوك أن يقول لسيِّده أو لسيدته: ربِّى وَرَبَّتِى، وللسَّيِّدِ أن يقول لمملوكِهِ: عَبْدِى، ولَكِن يَقُولُ المالِكُ: فَتَاىَ وفَتَاتِى، ويَقُولُ المملوكُ: سيِّدى وسيِّدتى، وقال لمن ادَّعى أنه طبيب: "أنْتَ رجلٌ رَفِيقٌ، وَطَبِيبُها الَّذِى خَلَقَهَا"، والجاهِلون يُسمُّون الكافرَ الذى له عِلْمٌ بشئ من الطبيعة حكيماً، وهو مِن أسفه الخلق.
ومن هذا قولُه للخطيب الذى قال: مَنْ يُطع اللهَ وَرَسُولَه فَقَدْ رَشَدَ، ومَنْ يَعْصِهِمَا فَقَد غَوَى: "بئسَ الخَطِيبُ أنْتَ".
ومن ذلك قولُه: "لاَ تَقُولُوا: مَاشَاءَ اللهُ وشَاءَ فُلانٌ، وَلَكِن قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ مَا شَاءَ فُلاَنٌ"، وقال له رجل: ما شَاءَ اللهُ وشِئْتَ، فَقَالَ: "أَجَعلْتَنِى لِلَّهِ نِدَّاً؟ قُل: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ".
وفى معنى هذا الشرك المنهى عنه قولُ مَن لا يتوقَّى الشرك: أنا باللهِ وَبِكَ، وأنا فى حَسْبِ اللهِ وحَسْبِكَ، وما لى إلا اللهُ وأنتَ، وأنا متوكِّل على الله وعليك، وهذا من اللهِ ومِنك، واللهُ لى فى السماء وأنت لى فى الأرض، وواللهِ وحياتِك، وأمثال هذا من الألفاظ التى يجعل فيها قائِلُهَا المخلوقَ نِدّاً للخالق، وهى أشدُّ منعاً وقُبْحاً من قوله: ما شَاءَ اللهُ وشئتَ.
فأما إذا قال: أنا باللهِ، ثم بك، وما شاء اللهُ، ثم شئتَ، فلا بأس بذلك، كما فى حديث الثلاثة: "لاَ بَلاَغَ لِىَ اليَوْمَ إلا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ"، وكما فى الحديث المتقدِّم الإذن أن يقال: ما شاء اللهُ ثم شاءَ فلان.
زاد المعاد في هدي خير العباد