أول ما نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قوله تعالى : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ }{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }{ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ }{ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } (العلق : 1-5) .
ومنذ نزول تلك الآيات المباركات طويت صفحات ، وابتدأت صفحات في تاريخ الإنسانية جمعاء. طويت صفحات الجهل والخرافة والوهم والتخلف العلمي والعقلي والفكري ، وابتدأت صفحات من نور العلم والمعرفة والعقل والفكر الصحيح .
ولا ريب أن المتأمل في أحوال المجتمعات البشرية قبل الإسلام وما بعده يدرك صحة هذا القول .
وكتاب الله تعالى قد تضمّن الإشارة إلى أهمية العلم ، وتميز العالم ، والهدف من التفكير الصحيح .
قال تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } (المجادلة : 11) .
وقال تعالى : { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } (طه : 114) .
وقال تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } (فاطر : 28) .
وقال تعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } (الزمر:9).
وقال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (آل عمران : 190-191) .
وقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } (سبأ : 46).
وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } (الروم : 8).
كما تضمّن كتاب الله تعالى الإشارة إلى بعض الحقائق العلمية التي سيقت مساق الهداية ، كقوله تعالى : { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } (الحجر :22) .
وقد أثبت العلم الحديث أن من وسائل تلقيح النبات الرياح لأنها تنقل الملقحات من عضو التذكير النباتي إلى عضو التأنيث النباتي.
ومن الآيات التي فيها إشارة علمية كذلك قوله تعالى : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } (الأنعام : 125) .
وتشير هذه الآية الكريمة إلى ظاهرة نقصان الأوكسجين في طبقات الجو العليا ، فيتأثر الجسم نتيجة ذلك ، وقد أثبت العلم الحديث أنه كلما ارتفعنا في الجو قَلَّ الضغط الجوي ، وبالتالي الضغط الجوي للأوكسجين .
ويعد عنصر الأوكسجين أهم عناصر الهواء المستنشق الذي يتركب من الآتي : 20.95 % غاز أوكسجين .
78.09 % غاز نيتروجين .
00.03 % غاز ثاني أوكسيد الكربون .
الباقي : غازات غير هامة لوظائف الجسم .
وأما ظاهرة ( الحرج ) الواردة في الآية الكريمة فهو الذي يمثله الارتفاع الحرج الذي يهبط فيه الضغط إلى 87مم / زئبق والبالغ 50.000 قدم وهنا حتى استنشاق الأوكسجين الصافي 100 % لا يفي بتاتًا بحاجة الجسم من الأوكسجين .
ويقسم العلماء مراحل أعراض ظاهرة نقص الأوكسجين إلى أربعة مراحل تتعلق بالضغط الجوي ومستوى الارتفاع ، ونسبة تركيز الأوكسجين في الدم وهي :
1- مرحلة عدم التغيير ( من مستوى سطح البحر إلى الارتفاع 10.000 قدم ) وفي هذه المرحلة لا توجد أعراض لنقص الأوكسجين ، ولا تتأثر الرؤية بالنهار .
2- مرحلة التكافؤ ( الفسيولوجي ) ( من ارتفاع 10.000 قدم إلى 16.000 قدم ) وتعمل أجهزة التكافؤ ( الفسيولوجي ) في هذه المرحلة على عدم ظهور أعراض نقص الأوكسجين إلا إذا طالت مدة التعرض لهذا النقص ، أو قام الفرد بمجهود جسماني في هذه الظروف فتبدأ عملية التنفس في الازدياد عددًا وعمقًا ، ويزيد النبض ، وضغط الدم ، وكذلك سرعة الدورة الدموية .
3- مرحلة الاختلال ( الفسيولوجي ) ( من ارتفاع 16.000 قدم إلى 25.000 قدم ) وفي هذه المرحلة لا تفي أجهزة التكافؤ ( الفسيولوجي ) بالمطلوب، ولا تستطيع توريد الكمية الكافية من الأوكسجين للأنسجة ، وهنا يبدأ ظهور الأعراض. وفي هذه المرحلة نجد تفسيرًا واضحًا لضيق الصدر الذي يشعر به الإنسان عندما يصعد إلى هذه الارتفاعات ، كما يحدث عند الطيارين وغيرهم
4- المرحلة الحرجة من ارتفاع ( 25000 قدم فأعلى ) وفي هذه المرحلة يفقد الإنسان الوعي تمامًا بسبب فشل الجهاز العصبي. وهذه الحقائق العلمية الواردة في الآية الكريمة لم يصل إليها العلماء إلا بعد اجتهادات وأبحاث دامت عشرات السنين .
ولا ريب أن كتاب الله تعالى قد تضمّن العديد من الآيات الكريمة التي أشارت إلى حقائق وركائز علمية في هذا الكون ، بشكل محكم ( وإن سوق القرآن الكريم لهذه الحقائق وبهذه السعة والشمول ، وبهذه الدقة المتناهية يحمل كل صاحب عقل منصف إلى القول بأن هذا تنزيل من العزيز الحكيم الذي أحاط بكل شيء علمًا .
ومن هنا ندرك مدى قوة النهضة العلمية والفكرية التي أحدثها القرآن الكريم في حياة المسلمين ، وفي مختلف مجالات العلم والمعرفة والفكر .
الدعوة إلى التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين