قبل أربعمائة سنة، وبالضبط في يوم 22 شتنبر 1609م، أصدر الملك فيليب الثالث مرسوم طرد المورسكيين من جميع الأراضي الخاضعة للسيادة الإسبانية، وهو المرسوم الذي سيعلن ميلاد أول دولة عنصرية في التاريخ، واليوم فإن هذا الطرد المأساوي ومحنة المورسكيين قبل وبعد إصدار هذا المرسوم يستحثان الضمير الإنساني على القيام بوقفة تأمل واستخلاص العبر من هذه الواقعة أللاإنسانية، التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الدولة العنصرية كانت ولازالت تشكل مصدرا لانتهاك حقوق وكرامة الإنسان.
إن التمعن في مأساة المورسكيين، في اعتقادي، غني بالعبر والدروس، لقد ذاق هؤلاء المسلمون كافة أنواع الإكراه و المهانة، ومع ذلك واجهوا مصيرهم بكل شجاعة، وقاوموا حتى الرمق الأخير.
إن مأساة المورسكيين قد انطلقت فعليا منذ سقوط غرناطة عام 1492م رغم أن اتفاقية تسليم غرناطة كانت تقضي باحترام دين المسلمين وتركهم أحرارا في عاداتهم وعباداتهم، لكن هذا الاحترام لم يدم طويلا، حيث سرعان ما تم إصدار مرسوم ملكي يقضي بتنصير المسلمين وإجبارهم على التخلي عن أسمائهم وأزيائهم الإسلامية ولغتهم العربية ، وكل ما يمتّ لحضارتهم وتقاليدهم بصلة.
لقد فرضت عليهم حياة مزدوجة، حيث عاشوا نتيجة القمع والترهيـب كالنصارى في الظاهـر ولكنهـم في عقيدتهـم كانوا مسلميـن، حيث تـم إنشـاء محـاكـم التفتيـش لمراقـبـة تصـرفاتهـم ومحاكمة كل من ضبط يمارس طقسا من طقوس الإسلام بمصادرة الأموال أو بالأشغال الشاقة، بالسجن ( المؤبد أحيانا) أو بالموت شنقا أو حرقا ، إلى غير ذلك من العقوبات الفظيعة.
لقد ظل المورسكيون على هذا الحال، وثاروا على كل القرارات التي اتخذت لتشديد الخناق عليهم إلى أن أعلن الملك فيليب الثالث، بإيعاز من القساوسة، قراره بطرد "الخطرالمورسكي". و هو القرار الذي أعطى الضوء الأخضر لارتكاب أشنع الجرائم الإنسانية، لما يزيد عن ثلاث سنوات، المدة التي احتاجها تطبيقه، في حق خمسمائة ألف رجل وامرأة و طفل.
لقد تعرضوا إلى أسوء أنواع الاستغلال و الإذلال و الإعدام و عانـوا من العطـش و الجـوع و الاغتصاب، بل وغالبا ما عمد مرتزقة السفن التي سخرت لنقلهم إلى رميهم في البحر، لربح الوقت و من أجل الاستيـلاء على ممتلكاتهــم ونسائهــم... وذلك باعتــراف المنظريــن والمسؤولين على تطبيق هذا القرار المشين حيث كتب Fray Jaime Bleda في إحـدى تقريراته أن 75 بالمائة لقـوا حتفهـم أثناء هذه العمليـة و زاد قائلا :
“hubiera sido preferible para España que todos murieran” (1)
إن مكانة المورسكيين " moriscos " و التسمية هذه ليست بريئة من نوع من الاحتقار في حق المسلمين الإسبان، قد ظهرت بسرعة فائقة، سواء من خلال تقهقر الاقتصاد الإسباني وفقدانه لعدد من الحرف التي كان يتقنها المسلمون، أو من خلال انتعاش عدد من المدن التي حط بها من نجا منهم، ومنها مدينتي الرباط وسلا. حيث نقلوا إليها درايتهم بشؤون الزراعة و الطب والعلوم والحروب وغيرها من الخبرات التي افتقدتها إسبانيا...
وحتى لا ننسى مأساة المورسكيين، الذين صنعوا جزءا من تاريخنا بأرواحهم ومعاناتهم، أقترح اتخاذ العديد من المبادرات، من بينها إقامة صلاة الغائب في مختلف مساجد المملكة إكراما لأرواح الشهداء منهم الذين تم إلقاؤهم في عرض البحر , كما أقترح أن يعلن رسميا يوم 22 شتنبر من كل سنة كيوم وطني لتخليد ذكرى المورسكيين...
إن الهدف من تخليد ذكرى المورسكيين، هو صون للذاكرة الإنسانية من نسيان مآسي القرارات العنصرية التطهيرية، التي تجثم بثقلها على تقدم المجتمع البشري نحو احترام حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حق الحياة.
موقع التاريخ
altareekh.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ انظـر الكتـاب :" المــورسكـيـون و عنصرية الدولة" لرودريغو دي زاياس.