قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ»

الأحد، 12 فبراير 2012

القرآن الكريم هو المصدر الرئيسي للتشريع


يتفق علماء القانون الدستوري الذين تكلموا في مصادر الدستور في الإسلام على أن القرآن الكريم هو المصدر الرئيس والأول للدستور ، وأنه جاء فيما يتعلق بالأمور الدستورية بأحكام كلية ومبادئ أساسية ، فأغلب ما ورد في القرآن الكريم من أحكام إنما هو أحكام كلية وقواعد عامة تجب مراعاتها في القضاء والاعتماد عليها في الاجتهاد ، فلم يتعرض القرآن للتفصيلات أو الجزئيات في الأحكام الشرعية المتصلة بالقوانين ؛ لاختلافها باختلاف البيئات وتغيرها بتغير المصالح ، تاركا التفصيل في الجزئيات إلى السنة النبوية، والاجتهاد وفق ما تستدعيه المصلحة.
وهذه الأحكام والقواعد الكلية الواردة في القرآن الكريم هي أحكام وقواعد فوق أحكام وقواعد الدستور ، وفق المعنى الفني للدستور ، فهي قواعد وأحكام فوق دستورية تلتزم السلطة التأسيسية التي تضع الدستور في كل دولة إسلامية باحترامها ، فالدستور قابل للتعديل والتغيير وأحكام القرآن الكريم ليست كذلك.


- الآيات الدستورية في القرآن :
قررت النصوص القرآنية مبادئ أساسية يقوم عليها كل نظام دستوري عادل وهي الشورى والعدل والمساواة, وتطرقت بعض الآيات القرآنية لأحكام دستورية معينة ، مما يعتبر من المسائل المهمة التي يرجع إليها عند وضع دستور إسلامي .
ونذكر فيما يلي بعض هذه الآيات وما قررته في المجال الدستوري :
1 - الآيات المقررة لضرورة الشورى ، مثل قوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } سورة آل عمران، آية 159.
2 - الآيات المقررة لمبدأ العدل ، مثل قوله تعالى : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } سورة النساء ، آية 58 .
3 - الآيات المقررة لمبدأ المساواة ، مثل قوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } سورة الحجرات آية 10 .
4 - الآيات المقررة لضرورة الحكم بما أنزل الله ، مثل قوله تعالى : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } سورة المائدة آية 49 .
5 - الآيات المقررة لنظام القضاء والتقاضي بين الناس ، وأنهم سواء أمام ساحة القضاء ، مثل قوله تعالى : { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } سورة المائدة آية 8.
6 - الآيات المتضمنة أحكاما للسلم والحرب ، مثل قوله تعالى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } سورة الأنفال آية 61 وقوله : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً }  سورة التوبة آية 36 .
7 - الآيات المتضمنة حقوق الأمة على الحاكم ، مثل قوله تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } سورة التوبة ، آية 71  .
8 - الآيات المتضمنة لحقوق الحاكم على الأمة ، مثل قوله تعالى : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } سورة النساء آية 59 .
9 - الآيات المتضمنة لحق الحياة ، مثل قوله تعالى : { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } سورة البقرة آية 179 .
10 - الآيات المتضمنة للالتزام بالمعاهدات والوفاء بها ، مثل قوله تعالى : { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } سورة الأنفال , آية 72 .
 - 11الآيات المتضمنة حق إبداء الرأي ، مثل قوله تعالى : { يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } سورة التوبة آية 71  وقوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ } . . . . ) سورة المجادلة آية 1 .
12 - الآيات المتضمنة لحق الملكية ، مثل قوله تعالى : { فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } سورة البقرة , آية 279 .
13 - الآيات المقررة لحرمة المسكن ، مثل قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } سورة النور , آية 27 .
14 - الآيات المقررة لحق التكريم للإنسان ، والذي تنفرد بذكره صراحة الشريعة الإسلامية ، مثل قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } سورة الإسراء , آية 70 .
15 - الآيات المقررة لصيانة الأموال العامة ، مثل قوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } سورة آل عمران, آية161.
16 - الآيات المقررة لقاعدة الولاء والبراء في الإسلام ، وهي ما تقابل في مصطلح الفقه المعاصر الخيانة العظمى مع الاختلاف في المنطلق والأساس ، وذلك مثل قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } سورة الممتحنة , آية رقم 1.
17 - الآيات المقررة لعدم المساس بأمن المحايدين ، مثل قوله تعالى : { فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا } سورة النساء ، آية 90  .
18 - الآيات المقررة لحسن الجوار ، مثل قوله تعالى : { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } سورة الممتحنة، آية 8.
19 - الآيات المقررة لرابطة الإنسانية وأنها فوق اعتبار الجنس والنوع ، مثل قوله تعالى : {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } سورة النساء آية 1 .
مما تقدم يتضح أن القرآن قد تضمن مسائل دستورية مهمة ، ولكن يجب أن يلاحظ أن الآيات السابق ذكرها ليس المراد من إيرادها الحصر بل التمثيل ، وإلا فإن من الممكن استخراج مسائل دستورية أخرى من القرآن الكريم  .
أما فيما يتعلق بالأمور المنظمة للشورى ، والمحققة للعدل والمساواة وغيرها من تفاصيل الأحكام الدستورية فمتروك لأولي الأمر ؛ ليفرعوا ويفصلوا حسب مقتضيات الحال ومصالح الناس دون أن يصطدموا بحكم تفصيلي شرعه القرآن ، مراعين في ذلك تلك الأحكام الكلية ، والنصوص الدالة على رفع الحرج ، والدالة على إيجاب الوفاء بالعهد ، والنصوص التي دلت على أن الأصل في الأشياء الإباحة .
الإسلام والدستور