قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ»

الأربعاء، 7 مارس 2012

المبدع الأعظم


كتبه: كلود. م. هاثاواي
مستشار هندسي _ حاصل على درجة الماجستير من جامعة كولورادو - مستشار هندسي بمعامل شركة جنرال الكتريك - مصمم العقل الإلكتروني للجمعية العلمية لدراسة الملاحة الجوية بمدينة لانجي فيلد - اخصائي الآلات الكهربائية والطبيعية للقياس.
قبل ان أبين الاسباب التي تدعونا إلى الإيمان بالله، أحب ان أذكر ان معظم ايماني به تعالى في المرحلة الراهنة من مراحل حياتي، يقوم على أساس الخبرة أو الممارسة.
والواقع اننا لا يجوز لنا ان نستبعد كثيرا من المعتقدات التي تقوم على أساس الخبرة أو الممارسة، أو ان ننظر اليها على انها لا تقوم على أساس عقلي، فنحن اذا فعلنا ذلك نكون قد انتقصنا من قدر الطريقة العلمية ذاتها، والأفضل ان نسمي مثل هذه المعتقدات (فوق فكرية) .

وبرغم ان ايماني بالله في السنوات السابقة، كان يقوم على أسباب سوف أتناولها بالشرح بعد قليل، فان ايماني به في الوقت الحاضر يقوم على أساس خبرة أو معرفة داخلية به، وهي خبرة أو معرفة تتضاءل بجانبها جميع المجادلات الفكرية.
وبرغم ان هذا النوع من الاستدلال لا يعد مقنعا بالنسبة لمن لم يمارسوه، فان له وجاهته وقوته بالنسبة لمن مارسه.
لقد وجدت ان الايمان بالله هو الملاذ الوحيد الذي تطمئن اليه الروح، وكما يقول اوغستين: (لقد خلقنا الله لنفسه، وان ارواحنا لتبقى قلقة حائرة حتى تجد راحتها في رحابه) .
اما من حيث الأسباب الفكرية التي تدعوني إلى الإيمان بالله، فانني أحب ان أبدأ بذكر الحقائق التي لا سبيل إلى انكارها والتي لا أشك في أن غيري ممن أسهموا في هذا الكتاب قد تناولوها، وهي ان التصميم يحتاج إلى مصمم. وقد دعم هذا السبب القوي من أسباب ايماني بالله ما أقوم به من الأعمال الهندسية. فبعد اشتغالي سنوات عديدة في عمل تصميمات لاجهزة وأدوات كهربية، ازداد تقديري لكل تصميم أو ابداع اينما وجدته. وعلى ذلك فانه مما لا يتفق مع العقل والمنطق ان يكون ذلك التصميم البديع للعالم من حولنا الا من ابداع اله اعظم لا نهاية لتدبيره وإبداعه وعبقريته. حقيقة ان هذه طريقة قديمة من طرق الاستدلال على وجود الله، ولكن العلوم الحديثة قد جعلتها أشد بيانا وأقوى حجة منها في اي وقت مضى.
ان المهندس يتعلم كيف يمجد النظام، وكيف يقدر الصعاب التي تصاحب التصميم عندما يحاول المصمم ان يجمع بين القوى والمواد والقوانين الطبيعية في تحقيق هدف معين، انه يقدر الابداع بسبب ما واجهه من الصعاب والمشكلات عندما يحاول ان يضع تصميما جديداً.
لقد اشتغلت منذ سنوات عديدة بتصميم مخ الكتروني يستطيع ان يحل بسرعة بعض المعادلات المعقدة المتعلقة بنظرية (الشد في اتجاهين) . ولقد حققنا هدفنا باستخدام مئات من الأنابيب المفرغة والأدوات الكهربائية والميكانيكية والدوائر المعقدة ووضعها داخل صندوق بلغ حجمه ثلاثة أضعاف حجم اكبر (بيانو) . ولا تزال الجمعية الاستشارية العلمية في لانجلي فيلد تستخدم هذا المخ الإلكتروني حتى الآن. وبعد اشتغالي باختراع هذا الجهاز سنة أو سنتين، وبعد ان واجهت كثيرا من المشكلات التي تطلبها تصميمه ووصلت إلى حلها، صار من المستحيلات بالنسبة إلى ان يتصور عقلي ان مثل هذا الجهاز يمكن عمليه بأية طريقة أخرى غير استخدام العقل والذكاء والتصميم.
وليس العالم من حولنا الا مجموعة هائلة من التصميم والإبداع والتنظيم. وبرغم استقلال بعضها عن بعض، فانها متشابكة متداخلة، وكل منها اكثر تعقيدا في كل ذرة من ذرات تركيبها، من ذلك المخ الالكتروني الذي صنعته. فاذا كان هذا الجهاز يحتاج إلى تصميم افلا يحتاج ذلك الجهاز الفسيولوجي الكيمي البيولوجي الذي هو جسمي، والذي ليس بدوره الا ذرة بسيطة من ذرات هذا الكون اللانهائي في اتساعه وابداعه، إلى مبدع يبدعه؟
ان التصميم أو النظام أو الترتيب، أو سمها ما شئت لا يمكن ان تنشا الا بطريقين: طريق المصادفة أو طريق الابداع والتصميم. وكلما كان النظام اكثر تعقيدا، بعد احتمال نشأته عن طريق المصادفة. ونحن في خضم هذا اللانهائي لا نستطيع الا ان نسلم بوجود الله.
أما النقطة الثانية التي اريد ان أشير إليها في هذا المقام، فهي ان مصمم هذا الكون لا يمكن ان يكون ماديا. وانني أعتقد ان الله لطيف غير مادي. وانني أسلم بوجود اللاماديات، لانني بوصفي من علماء الفيزياء اشعر بالحاجة إلى وجود سبب أول غير مادي. ان فلسفتي تسمح بوجود غير المادي، لانه بحكم تعريفه لا يمكن إدراكه بالحواس الطبيعية، فمن الحماقة اذن ان أنكر وجوده بسبب عجز العلوم عن الوصول اليه، وفوق ذلك فان الفيزياء الحديثة قد علمتني ان الطبيعة اعجز من ان تنظم نفسها أو تسيطر على نفسها.
وقد أدرك سير اسحاق نيوتن ان نظام هذا الكون يتجه نحو الانحلال، وانه يقترب من مرحلة تتساوى فيها درجة حرارة سائر مكوناته، ووصل من ذلك إلى انه لابد ان يكون لهذا الكون بداية، كما انه لابد ان يكون قد وضع تبعا لتصميم معين ونظام مرسوم، وأيدت دراسة الحرارة هذه الآراء وساعدتنا على التمييز بين الطاقة الميسورة والطاقة غير الميسورة، وقد وجد انه عند حدوث اي تغيرات حرارية فان جزءا معينا من الطاقة الميسورة يتحول إلى الطاقة غير الميسورة، وانه لا سبيل إلى ان يسير هذا التحول في الطبيعة بطريقة عكسية، وهذا هو القانون الثاني من القوانين الديناميكية الحرارية.
وقد اهتم بولتزمان بتمحيص هذه الظاهرة، واستخدم في دراستها عبقرية ومقدرته الرياضية، حتى اثبت ان فقدان الطاقة الميسورة الذي يشير اليه القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية، ليس الا حالة خاصة من ظاهرة عامة تشير إلى ان كل تحول أو تغير طبيعي يصحبه تحلل أو نقص في النظام الكوني. وفي حالة الحرارة يعتبر تحول الطاقة من الصورة الميسورة إلى الصورة غير الميسورة فقدانا أو نقصا في التنظيم الجزيئي، أو بعبارة أخرى تفتتا وانحلالا للبناء. ومعنى ذلك بطريقة اخرى ان الطبيعة لا تستطيع ان تصمم أو تبدع نفسها، لان كل تحول طبيعي لابد ان يؤدي إلى نوع من أنواع ضياع النظام أو تصدع البناء العام. وفي بعض الحالات قد يسير النظام من البسيط إلى المركب، ولكن ذلك لا يتم الا على حساب تصدع اكبر للتنظيم والترتيب في مكان آخر.
ان هذا الكون ليس الا كتلة تخضع لنظام معين، ولابد له اذن من سبب اول لا يخضع للقانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية، ولابد ان يكون هذا السبب الاول غير مادي في طبيعته.
انه هو الله اللطيف الخبير الذي لا تدركه الأبصار.